Monday, February 27, 2017

هل تعلم من هو البخارى ؟ اقرأ

قصة
 تعجب تلاميذ أحد الكتاتيب الصغيرة الواقعة في إحدى مدن «خراسان» من أمر طفلٍ يتيمٍ دون العاشرة كان يأتي إلى الكتّاب من دون ورقةٍ أو قلم، فقد كان شيخ الكُتّاب يروي عليهم أحاديث رسول الله ﷺ فيسارعون هم إلى تدوينها، إلا ذلك الطفل لم يكن يكتب شيئًا على الإطلاق!
 ومرّت الأيام وهذا الطفل على حاله تلك، يأتي في صمت، ويعود في صمت، حتى جاء ذلك اليوم الذي سَخِر فيه التلاميذ منه، وعايروه بأنه لا يكتب شيئًا، فنظر الطفل الصغير إليهم نظرة الواثق وقال لهم: أخرجوا كراريسكم لأراجعها لكم، فأخرج التلاميذ كراريسهم وهم ينظرون بدهشة وهو يراجع من ذاكرته الأحاديث التي كتبوها هم على مدى أشهر، فراجع لهم هذا الطفل الصغير الذي لم يبلغ العاشرة من عمره 000 15 من الأحاديث بمتونها وأسانيدها! لقد كان هذا الطفل الأعجوبة يُدعى (محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة ابن بردزبه)، وهو نفسه الذي سيعرف في التاريخ بعد ذلك باسم الإمام البخاري.
 والبخاري ينسب إلى مدينة بخارى في بلاد ما وراء النهر، والواقعة اليوم في دولة أوزبكستان، واختلف المؤرخون في أصله، فمنهم من ينسبه إلى الفرس، ومنهم من يرجع أصله إلى العرب، ومنهم من ينسبه إلى قومية الترك الأوزبك، ولكن الأرجح أنه من قومية الفرس الذين هاجروا إلى بخارى، والحقيقة أن المؤمنين من قومية الفرس كان لهم دور بارز في حفظ سنة رسول الله ﷺ، وصدق رسول الله ﷺ حينما وضع يده على سلمان الفارسي رضي الله عنه وأرضاه، وقال في الحديث الشريف الذي رواه رواه الإمام أحمد في مسنده و الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما:
«لَوْ كَانَ الْإِيمَانُ عِنْدَ الثُّرَيَّا لَنالَهُ رِجَالٌ مِنْ هَؤُلَاءِ»
 وبالفعل فإن كثيرًا من أبرز علماء السنة كانوا من القومية الفارسية، فأصحاب كتب الحديث الستة خرجوا من رحم هذه القومية العظيمة: الإمام البخاري، الإمام مسلم، الإمام النسائي، الإمام أبو داود، الإمام الترمذي، الإمام ابن ماجة. ومن علماء الفرس البارزين الذين كان لهم أثر كبير في مسيرة العلم، نذكر على سبيل المثال لا الحصر الإمام أبا حنيفة النعمان، والإمام البيهقي، الإمام الحاكم النيسابوري، الإمام الدارقطني، الإمام الطبري، الإمام الكسائي، وغيرهم الكثير من الذين لا يتسع المقام لعدّهم، والذين كانوا من أهم بناة هذه الحضارة الإسلامية العربية.
والإمام البخاري وُلد في بخارى ليلة الجمعة الثالث عشر من شوال سنة 1944 هـ، وتربّى في بيت علم، فأبوه كان من المحدثين، واشتهر بين الناس بسمته وورعه، وتوفي والإمام البخاري صغير، فنشأ البخاري يتيمًا في حجر أمه، وكانت امرأة عظيمة، حرصت على تنشئته تنشئة صالحة، و كان البخاري قد عمي في صغره، ففقد بصره بالكلية، فأخذت أمه تبكي على ابنها الوحيد بكاءً شديدًا وتدعو الله أن يرجع له بصره، وذات ليلةٍ قامت أم محمد فصلّت ودعت، وألحّتْ في الدعاء، ثم غلبها النعاس، فرأت تلك الأم الصالحة في المنام نبي الله إبراهيم الخليل عليه السلام فقال لها: يا هذه قد رد الله على ابنك بصره، فاستيقظت الأم من نومها وأسرعت إلى البخاري لتجد أن بصره قد عاد إليه، وسبحان الله، لعل فيما حصل للبخاري في طفولته أثر كبير على بروز عبقريته، فربما كان سر ذاكرة البخاري الحديدية يكمن في فقده لبصره أيام طفولته، فالمعلوم طبيًا أن هناك خاصية عجيبة جعلها الله في جسم الإنسان، ألا وهي خاصية «التعويض الوظيفي»، وملخص هذه الخاصية أن الجسم البشري إذا ما فقد حاسة من حواسه، فإن قوة الحواس الأخرى تزيد بشكل يعمل على سد الثغرة الحسية التي نتجت عن فقده لتلك الحاسة، وهذا ما يفسر مثلًا قوة السمع والحفظ للطفل الأعمى، ويبدو أن دماغ البخاري اكتسب أثناء عماه تلك الخاصية الاستثنائية، قبل أن يرجع إليه بصره، فصار البخاري يجمع بين ذاكرة الأعمى، ونظر المبصر، فأصبح إنسانًا استثنائيًا، ويبدو والله أعلم أن ما حصل له كان تهيئة للمهمة الكبيرة التي قدرها الله له، وهي مهمة حفظ سنة رسول الله ﷺ للبشرية، لذلك عاش الإمام البخاري سنوات طويلة مرتحلًا من بلد إلى بلد لطلب العلم، فكان يسافر لأشهر طويلة فقط من أجل تدوين حديث واحد من أحاديث رسول الله ﷺ، فتمكن البخاري من تحرير كتابه الأشهر «الجامع المسند الصحيح المختصر من أُمور رسول الله ﷺ وسننه وأيامه»، والذي اشتهر باسم «صحيح البخاري»، وهذا الكتاب هو أعظم كتب الحديث على الإطلاق، فقد حرص البخاري فيه على نقل الأحاديث الصحيحة فقط، فانتقى أحاديثه من ستمائة ألف حديث جمعها، سمعها من أكثر من سبعين ألفًا، على مدار 16 عامًا من البحث العميق والسفر الطويل، وقد اختار الإمام البخاري أن يبدأ الكتابة في المسجد الحرام، ولم يكن يدون حديثًا في هذا الكتاب المبارك إلا بعد أن يصلي ركعتين، يقول البخاري: «صنفت كتابي هذا في المسجد الحرام وما أدخلت فيه حديثا حتى استخرت الله تعالى وصليت ركعتين وتيقنت صحته». ولقد كتب الله البركة لهذا الكتاب، وألفت حوله عشرات الكتب من شروح ومختصرات وتعليقات ومستدركات ومستخرجات وغيرها مما يتعلق بعلوم الحديث، وصار مرجعًا لا يستغني عنه طلبة العلم.

No comments:

الرقيق

  بسم الله الرحمن الرحيم اوشكت الحرب ان تضع اوزارها . وهنت قوة المتمردين وخارت عزائمهم ان كان لهم قوة او عزيمة .هم مجرد رقيق ابتاعتهم قوى ...